سورة غافر - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (غافر)


        


بغير سلطان: بغير دليل ولا حجة. ادعوني: اسألوني. داخرين: صاغرين، أذلاء. لتسكنوا فيه: لتستريحوا فيه. تؤفكون: تصرَفون عن الحق.
اعلم يا محمد ان الذين يجادلونك في دين الله بغير حجّةٍ أو برهان يعلمونه إنما يدفعهم إلى ذلك ما يجدونه في صدورهم من الكيد والحسد، وعنادُهم وطمعهم في ان يغلبوك.
{مَّا هُم بِبَالِغِيهِ}
وما هم ببالغي إرادتهم، ولن يصِلوا إلى ذلك ابدا.
ثم امر رسوله ان يستعيذ من هؤلاء المجادلين المستكبرين بقوله: {فاستعذ بالله إِنَّهُ هُوَ السميع البصير}
الجأ إلى الله واستعنْ به فهو السميع لاقوالهم، البصيرُ بأفعالهم.
ثم بين الله تعالى للناس وضعهم في هذا الكون الكبير، وضآلتهم بالقياس إلى بعض خلْق الله حتى يعلموا حقيقتهم، فيقول: {لَخَلْقُ السماوات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ}
هذا ما يفهمه أصحاب العقول المدركة، فان إعادة خلْق الإنسان أهونُ بكثير من ابتداء خلقه، ومن خلْق هذا الكونِ العجيب. ان قدرةَ اله لا تُحَدّ، فاين الإنسان من هذا الكون الهائل؟.
ليس يستوي الأعمى عن الحق والبصير العارف به، ولا يستوي المؤمن العامل بإيمانه والمسيء في عقيدته وعمله، ذلك أن المؤمنين ابصروا وعرفوا فهم يحسنون التقدير، اما الأعمى بجهله فهو يسيء كل شيء. {قَلِيلاً مَّا تَتَذَكَّرُونَ} وما أقلّ ما تتذكرون.
وبعد أن قرر الدليل على إمكان وجود يوم القيامة والبعث، أخبر بأنه واقع لا محالة: {إِنَّ الساعة لآتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يُؤْمِنُونَ}
فآمنوا بها أيها الناس تفوزوا، وأطيعوا ربكم اذ أمركم أن تسألوه، فانه قريب يجيب داعءكم ويعطيكم. أما الذين يتكبرون عن عبادة الخالق فجزاؤهم جهنّم يدخلونها صاغرين.
ثم شرع الله يبين بعض نعمه على الناس، وهي تُظهر عظمته تعالى، لكنهم لا يشكرون عليها فقال: {الله الذي جَعَلَ لَكُمُ الليل لِتَسْكُنُواْ فِيهِ}
من أكبرِ النعم على الناس ان الله جعل لهم الليلَ ليستريحوا فيه من العمل، والنهارَ مضيئا ليعملوا فيه ويكسبوا رزقهم، والله هو المتفضل عليهم بالنعم التي لا تحصى.
{ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَشْكُرُونَ} هذه النعم، ولا يعترفون بها. {نَّ الإنسان لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} الآية [إبراهيم: 34].
ثم بين الله كمالَ قدرته وانه الاله الواحد فقال: {ذَلِكُمُ الله رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لاَّ إله إِلاَّ هُوَ فأنى تُؤْفَكُونَ}
ذلكم الذي انعم عليكم بهذه النعم الجليلة هو الله خالق هذا الكون وما فيه، الاله الواحد المنفرد في الألوهية.
{فأنى تُؤْفَكُونَ}
فإلى أي جهة تُصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره!.
ثم ذكر ان هؤلاء الجاحدين ليسوا ببدعٍ في الأمم قبلهم، فقد سبقهم إلى هذا جحود خلق كثير فقال: {كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الذين كَانُواْ بِآيَاتِ الله يَجْحَدُونَ}
فكما ضلّ هؤلاء بعبادة غير الله ضل الذين قبلهم بلا دليل ولا برهان.
قراءات:
قرأ أهل الكوفة: {تتذكرون} بتاءَين، والباقون: {يتذكرون} بالياء. وقرأ ابن كثير ورويس {سيدخَلون} بضم الياء وفتح الخاء. والباقون: {سيدخُلون} بفتح الياء وضم الخاء.


قرارا: مستقرا تستقرون عليها. بناء: مبنية بنظام لا يختل. فتبارك: فتقدّس وتنزه. طِفلاً: يعني اطفالا، لأنه يطلق على المفرد والجمع.
في هذه الآيات يؤكد الله تعالى حقيقة الوحدانية، كما يؤكد على حقيقة ألوهيته وربوبيته. فالله وحده هو الذي جعل لنا هذه الأرض لنستقر عليها، وجعل السماء بناءً محفوظا زيّنه بهذه النجوم والكواكب التي نراها. ولقد خلقَ الإنسان فأبدع تصويره، وجعله في احسن تقويم {وَرَزَقَكُمْ مِّنَ الطيبات} المباحةِ ما يلذّ لكم، {فَتَبَارَكَ الله رَبُّ العالمين}، الذي يخلق ويقدّر ويدبّر. وهو الذي لا تنبغي الألوهية إلاّ له، ولا تصلح الربوبية لغيره، بما انه المنفرد بالحياة: {هُوَ الحي لاَ إله إِلاَّ هُوَ فادعوه مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} فادعوه باخلاص الدين له، واحمدوه في الدعاء والثناء لأنه مالكُ هذا الكون بما فيه.
وبعد أن اثبت سبحانه لنفسه صفاتِ الجلال والكمال، أمر رسولَه الكريم أنه منهيٌّ عن عبادة غيره مما يَدْعون.. قل لهم ايها الرسول: إني نُهيت عن عبادة الآلهة التي تعبدونها من دون الله {لَمَّا جَآءَنِيَ البينات مِن رَّبِّي} وأُمرت ان أنقاد في كل اموري لله رب هذا الكون كله.
ثم يستعرض آية من آيات الله في انفسهم بعدما استعرض آياته في هذا الكون العجيب، وهذه الآية هي الحياة الانسانية واطوارها العجيبة فيقول: {هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ...}
رتّب الله سبحانه تطور حياة الإنسان في ثلاث مراتب: الطفولة، وبلوغ الأشُدّ في الشباب والكهولة، والشيخوخة. ومن الناس من يُتوفى قبل سن الشباب، أو الشيخوخة. والله يفعل ذلك لتبلغوا الأجل المسمى وهو يوم القيامة، ولتعقِلوا ما في التنقل في هذه الأطوار المختلفة من فنون العبر والحكم.
ثم بعد هذه الأدلة على وجود الاله القادر، يعقب عليها بعرض حقيقة الإحياء والإماتة، وحقيقة الخلق والإنشاء جميعا: {هُوَ الذي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قضى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فيَكُونُ}
وتكثر الاشارة في القرآن الكريم إلى آيتي الحياة والموت، لأنهما تلمسان قلب الإنسان بشدّة وعمق، فالحياة ألوان، والموت ألوان، منها رؤية الأرض الميتة ثم رؤيتها مخضرة بألوان النبات والزهور، وكذلك رؤية الاشجار وهي جافة ثم رؤيتها والحياة تنبثق منها في كل موضع، وتخضر وتورق وتزهر، وغيرها وغيرها. وعكس هذه الرحلة من الحياة إلى الموت، كالرحلة من الموت إلى الحياة، إلى حقيقة الانشاء وأداة الابداع، وهو في ذلك كله كما يقول: {فَإِذَا قضى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فيَكُونُ} بلا معاناة، ولا توقف {فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين} [المؤمنون: 14].


بالكتاب: بالقرآن. يُسحبون: يجرون. في الحميم: في الماء الحار. يُسْجَرون: يحرقون. ضلوا عنا: غابوا عنا. تفرحون: تبطرون وتسرّون. تمرحون: تختالون من شدة الفرح. المثوى: مكان الاقامة.
الم تنظر أيها الرسول إلى هؤلاء الجاحدين كيف يجادلون في آيات الله الواضحة، ويحاولون أن يبطلوها، وكيف يُصرفون عن النظر فيها، ويصرّون على ضلالهم. لقد كذّبوا بالقرآن، وبما ارسلنا به رسُلَنا دميعا، فسوف يرون جزاء تكذيبهم حين تكون الأغلال في رقابهم يُجرون بها في الماء الحار، ثم يُحرقون في نار جهنم، ثم يقال لهم: اين ما كنتم تعبدون من دون الله؟ فيقولون: لقد غابوا عنا {بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئاً} بل تبيَّن لنا أننا لم نكن نعبد في الدنيا شيئا يُعتد به. وكما أضل الله تعالى هؤلاء، كذلك يضلُّ الكافرين.
وهذا الذي فعلنا بكم اليوم من شديد العذاب انما هو جزاء بسبب ما كنتم تفرحون وتبطرون وتتكبرون في الأرض بغير الحق، وما كنتم تتمتعون به وتمرحون. ادخلوا ابواب جهنم خالدين فيها فبئس منزل المتكبرين.
ثم امر رسوله بالصبر على أذاهم وتكذيبهم، وأكَّدَ ان وعد الله له بهلاك الكافرين حق، وسيأتيهم هذا العذاب إما في حياتك يا محمد أو حين يرجعون الينا، أو نتوفينك قبل ان تراه، {فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} جميعا فنجازيهم بما كانوا يعملون.
ثم يسلي الرسولَ الكريم ومن معه بقوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ}
وتقدّم مثل هذا النص في سورة النساء: 164.
{وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله}
يبين الله تعالى ان الرسلَ بشرٌ مكلفون بالتبشير والانذار وتعليم الناس، أما لمعجزات فهي بأمر الله وحسب مقتضى حكمته. ولا يمكن لرسول ان يأتي بمعجزة الا بأمر الله ومشيئته. فاذا جاء أمر الله بالعذاب في الدنيا أو الآخرة قضى بين الناس بالعدل.
{وَخَسِرَ هُنَالِكَ المبطلون}
ولم يعد هنا كمجال للتوبة ولا للرجعة إلى الدنيا.

1 | 2 | 3 | 4 | 5